الثلاثاء، مارس ٢٨، ٢٠٠٦

الغالية مشاهد في حياتي


اسمحوا لي أستضيفكم في حياتي لمدة دقائق هي مدة قراءة هذا الموضوع، واسمحوا لي أيضا أحكي لكم عن أهم واخطر إنسانة في دنيتي في هذا اليوم المميز عيد الأم.

نعم عمري 23 سنة ومر في عمري مواقف كثيرة وطالما تمنيت أشياء وأشياء ، لكن هناك مشاهد لا تغيب عن بالي ولا أنساها أبدا، وكلها لها بطلة واحدة هي "أمي" أو"الغالية" كما كان يناديها جدي الذي لم أراه من الأصل ولكنها لا تمل من سرد حكاياتها معه، أما اسمها الحقيقي في شهادة الميلاد هو "فاديه".
رحلة فلاحة مصرية
"الغالية" فلاحة مصرية بسيطة جدا لكنها قوية جدا تركت التعليم بعد المرحلة الإبتدائية مرغمة لتساعد والدتها في المنزل رغم تفوقها الواضح، وعندما بلغت 15 سنه تزوجت وبدأت رحلتها مع الزمن والمشكلات والمسئولية، عرفت معنى الصلابة والقوة والرجولة في آن واحد، جميلة مثل أغلب أهل قريتها ولكنها تملك روح أجمل من عيونها الخضراء، وقلب ابيض مثل وجهها الباسم رغم تجاعيد الزمن، وقصة أقوى من نظرتها ساعة غضب.

هي أرملة مات زوجها بعد10 سنوات فقط من الزواج مليئة بالمشكلات العائلية قضى 3 منها في التجنيد ورحلة مدتها 5 سنوات مع الفشل الكلوي الذي لم يكن له علاج وقتها إلا الغسيل ولكن الموت مؤكد وكلها أيام وشهور، وترك لها ثلاث أطفال أكبرهم عمره 6 سنوات فقط والصغرى لم تتعدى سنتها الأولى بعد، ومعاش لا يتعدى 80 جنيه وعليكم الباقي.
الإستسلام ..خارج قاموسها
بصراحة لم اسمع كل فصول القصة منها شخصيا ولكن عرفت الكثير من الناس لأنها نجحت في اقتناص احترام الجميع لأنها "ست جدعه" كما يصفها أهل القرية ففي كل مرة يعرفون أنني ابنتها ولو بالصدفة يبدأون في سرد قصة السيدة التي تركها الجميع فتحملت وفعلت ما يمل منه الرجال ربت وتعبت ولم تطلب المساعدة إلا من الله،وفي كل مرة أرى في عيونهم نظرة إعجاب بها وبقدرتها اشعر بالفخر لأني ابنتها.

لم تعرف معنى الملل أو الاستسلام طوال حياتها فرفضت الزواج مرة أخرى رغم جمالها وصغر سنها وقررت أن تخوض المعركة مع الزمن والقدر والناس، وراحت ترسم على جبين كل منا حلما وبدأت في ترجمته على الفور، علمتنا أهمية التعليم الذي حرمت منه فتفوقنا جميعا في الدراسة وراح كل منا يختار مجالا يحبه فتخرج أخي من كلية التجارة وأنا من الإعلام وأختي الصغرى من التربية لترى ثمار تعبها وتشعر بأن الدنيا قد ابتسمت و"العيال كبرت".

والآن وبعد عشرين عاما كاملة على رحيل والدي فقد رحل في مثل هذا الشهر ،لم نشعر أبدا بحاجتنا إلى أب فقد لعبت دور ألام والأب والأخت والقريبة والصديقة وباقتدار ونجحت في جعل أحلامها حقيقة.

واليوم عندما حاولت أن أفكر في هدية عيد الأم تذكرت الكثير من المشاهد التي مرت في سنوات عمري فأردت أن اكتب عنها.

المشهد الأول:وغاب الرفيق
صورتها بملابسها السوداء -التي مازالت ترفض أن ترتدي سواها منذ رحيل والدي- وسط ستات القرية الصغيرة التي ودعت الفرحة واستعدت لإستقبال سيارة الإسعاف وصوت أمي يرتفع ليصبح أعلى من صوتها بمراحل رغم إن صوتها كان مخنوق، جثة تنزل من السيارة وفجأة أغمى عليها وهي ممسكة في الجثة بأيديها ورافضة يشيلوه، وقتها كنت صغيرة جدا 3 سنوات لكني كنت افهم أن فيه حاجة وحشة بتحصل ولما سالت جارتنا قالت:" ابوكي مات وسابكم" وكانت أول مرة أعرف يعني إيه أبويا مش موجود.

المشهد الثاني:خليكي مع ربنا
صورتها ساعة صلاة الفجر قاعدة ع السرير أكثر من ساعة وبتدعي ربنا يدبر حالها ويرزقها رزق 3 قطط صغيرين على حد وصفها–اللي هو إحنا – ولما صحيت وسألتها بتعملي إيه هو حد زعلك قالت:"أنا بتكلم مع ربنا لان ماليش غيره هو العالم بحالي، وخليكي مع ربنا دائما "، وكنت برضه صغيره 5 سنين تقريبا واتكرر المشهد ده مئات المرات حتى الآن.

المشهد الثالث:إحساس اليتم
كان أصعب مشهد في حياتي لآن والدتي تعبت جدا وكان عندها حصوات على الكلى ورأت الموت بعينيها لأن الدكتور الله يسامحه أعطاها الدواء غير المناسب ،وعندما زاد الألم بدأت تبكي وتوصيني على أخواتي وتتنفس بصعوبة بالغة ومتشبثة بملابسي ووقتها كانت أول مرة أشعر بمعنى اليتم وقسوته وإنها كل حياتنا لكن الحمد لله ربنا نجاها بأعجوبة.
المشهد الرابع:زغاريد الفرح دخلت منزلنا
فرحتها وهي تزغرد لأول مرة في حياتها لتسمع جدران منزلنا معنى الفرحة منذ وقت طويل وتهتز حيطانه مع كثرة المهنئين يوم نجاحي في الثانوية العامة بمجموع 98% ووزع الشربات لأن واحدة من القطط كبرت،ويكمل مع إصرارها إني أدخل الكلية التي حلمت بها"إعلام" رغم إن كل الناس حذروها ورفضوا الفكرة من الأصل رافضين لأننا في كفر الشيخ-ريف - والإعلام في القاهرة ممنوع بنت تبات بره البيت ولو ليوم واحد فما بالك بالعيشة كلها ولو حتى كان للتعليم،كما إن مصاريف الإعلام كثيرة، وقفت أمي وقالت :"أنا ربيت وأنا هاكمل" ودخلت الكلية.
المشهد السادس:أمي مثالية
يوم 20 مارس 2005 وكنت في الشغل في القاهرة واتصلت أقول لها كل سنة وأنتي طيبة وأعتذر عن عدم سفري لأن الأجازات ممنوعة، وسمعت صوت بكاءها وقلبي توقف من الخوف وبسرعة ردت وطمنتني وقالت :"اختاروني أم مثالية وبعثوا جواب من المحافظة عشان أروح بكرة" ونزلت جري من الشغل وسافرت بدون تفكير وحضنتنا ونزلت دموع الفرحة مننا كلنا، وثاني يوم كرمت وتسلمت شهادة التقدير، وكل البلد زارتها في البيت "لأنها تستاهل كل خير" على حد وصفهم.

المشهد السادس:العريس المنتظر
يوم زيارة العريس الذي قرر أن يرتبط بي بعد سنوات من رفضي للفكرة من الأساس وكل الرجال في الدنيا لأني نفسي أركز في العمل فقط وعندما حكيت عنه ابتسمت وقالت"يعني أنت موافقة عليه" ورديت بابتسامة أخرى، وعندما رأته لأول مرة حضنتني وقالت" ياه كبرتي وخلاص هاتتجوزي" ونزلت دموع الفرح ودخلت وبدأت تسأله عن الصلاة والدين والشقة والحياة، وبعد استئذانه وصتني عليه وقالت:"إن الست لازم تراعي جوزها وتتحمل ظروفه وتراعي ربنا فيه وفي عائلته"

ولأنها "الغالية" مشاهدها الجميلة لن تنتهي وكل سنة وكل أم طيبة و يارب يحمي أمهاتنا كلنا ويقدرنا نرد لهم جزء بسيط من حقهم علينا.

هناك تعليقان (٢):

ام مليكة يقول...

الله يبارك فيك يابابراهيم وبجد عندك حق الناس العظيمة دي ما تتنسيش بس ممكن نعمل منهم وزيهم كتير

Lilli يقول...

قصة رائعة لانسانة أروع
ربنا يخليهالك