الأحد، مايو ٢٨، ٢٠٠٦

شرقاوي تاني..!











عندي أخبار مش كويسة.. شرقاوي أتقبض عليه تاني يوم الخميس، وضربوه جامد قوي وبهدلوه مش عارف أقول لك إيه .. بس ده اللي حصل".جملة قالها "براء" على التليفون من قنا ولكنها صدمتني... وقلت تاني يا شرقاوي..!بعدها تذكرت أحداث ذلك اليوم بالكامل كان يوم كئيب وحزين ليس فقط لأنه يوم ذكرى أحداث الاستفتاء وانتهاك أعراض الصحفيات ولكن لأنه امتداد لسلسلة احتلال البلد...
فلاش باك!
الزمان يوم الخميس 25 مايو...المكان... أمام سلم نقابة الصحفيين وبعد مشادة طويلة مع الأمن المحيطين بالنقابة والذين أصروا على منعنا من الدخول للتضامن مع المتظاهرين إلا إننا أصررنا على الدخول من الكردون.وبالفعل دخلنا بعد أمر من ضابط بوجهه الغاضب ولسان حاله يريد أن يقول :"قطعوهم" بس مش قادر ولذلك استبدلها بجملة لا تعبر عن ملامح وجهه بالمرة: "سيبوهم يتنيلوا يدخلوا" وطبعا سمع الجندي المقهور بخوذته السوداء التي غطت ملامحه وغطت معها عقله الكلام وتركنا ندخل ونطلع السلالم. "شرقاوي اهوهكانت هذه أول جملة ينطق بها "براء" بعد رحلة البحث عن مدخل، وقتها ركزت لأرى هل هو شرقاوي فعلا أم أن الشمس أثرت على تركيزه، ولكنه بالفعل كان هو طبعا مع الكثير من التغيير في ملامحه التي كانت تبدو أكثر هدوءا على غير ما تعودت منه وشعره الحليق وعيناه التي تشع حماس وحرقه ويحمل ورقة عادية مكتوب عليها بالقلم "عايز حقي"."عمر الشقي بقي، حمد الله ع السلامة، أنت عامل إيه؟"كانت هذه هي الجملة الأولى التي نطقت بها مع أول حركة في طريقي إليه فهذه أول مرة أراه فيها منذ الإفراج عنه، فرد بابتسامته التي أعرفها جيدا وبكل ثقة: "الحمد لله...كويس جدا...انتي عامله إيه ..والشغل كويس معاكي.. كتبتي كتابك ولا لسه؟"لم أتعجب من قوته ولا من استهزائه بسؤالي عن أحواله والتي يعرف هو جيدا أنني اقصد ما حدث معه في السجن ولكنه حاول أن ينبهني إلى أنه لم يقهر ولن يستسلم وبعدها أعدت السؤال مرة أخرى فبدأ يحكي عما حدث:"طبعا التجربة مؤلمة لكنها مفيدة جدا وأنا أتغيرت كثير قوي وتعلمت حاجات كثير كمان أهمها إني بحب البلد دي قوي وعمري ما هستسلم لاستبدادهم".وعند سؤاله عن أحوال الباقين في السجن والذي سطر أسماءهم على ورقته الصغيرة قال: "كل الناس في السجن بخير مالك وعلاء ووائل خليل وعمنا كمال خليل والبنات كمان كويسين قوي أنا شفتهم وتكلمت معاهم كلهم، أما بقى عن الإفراج عني فطبعا بهدلوني كثير ولفوفوني كعب داير ع الأقسام بس بصراحة الضرب كان لحد باب القسم وبعد كده بدأت التحقيقات وكلنا رفضناها، يعني أيام مؤلمة ولكنها بالتأكيد مفيدة"بطريقتي المعهودة في اللوم التي لا يلقي شرقاوي لها بالا ويعتبرها شكل من أشكال الإحباط قلت : "هو أنت ما بتحرمش يا بني يعني خرجت أمبارح بعد البهدلة دي كلها وجاي النهاردة واقف قداهمهم تاني وبتهتف ورافع يافطة ولا كأنك كنت عندهم وظبطوك".ولكنه هذه المرة لم يرهق نفسه ليرد علي واكتفى بابتسامته وتركني لأنه كان نجم المظاهرة وطلبوه يسجل مع قناة مش عارفه اسمها إيه.
أربعاء أسود...وخميس حزين
الأحداث السابقة كلها كانت يوم الخميس 25-5 في ذكرى أحداث الاستفتاء والشرقاوي هو العامل المشترك في اليومين ففي اليوم الأول العام الماضي كان واحد ممن شاهدوا المهزلة وحاول تخليص الصحفيات وصرخ ليلفت الانتباه وعرف الضابط جيدا، واليوم هو أحد المقبوض عليهم والمضروبين للمرة الثانية.تابعت كلام براء بهدوء وبعد انتهاء المكالمة طلبت وائل عباس لأستفسر عما حدث فبدأ يحكي لي وقال : "أنا لم أشاهد لحظة القبض على شرقاوي ولكن مصور الجزيرة الذي حضر المظاهرة أشار لي وقال : "صاحبكم أتقبض عليه وجريو وراه وضربوه ودخلوه عربية لونها أزرق" وعندما سألناه عن مواصفاته عرفنا من كلامه أنه شرقاوي".ولكن شرقاوي لم يكن الوحيد، بل لحق به كريم الشاعر وهو أحد المفرج عنهم مع شرقاوي في نفس الدفعة فأثناء وجودنا في النقابة اتصلت بنا الزميلة دينا سمك بعد أن شعرت أن هناك نية غدر فخرجت لتوصيل الشاعر إلى منزله هي وجيهان شعبان ولكنهم لم يمهلوهما فقد أوقفوا السيارة بتاكسيين وكسروا العربية وضربوا الشاعر وسحلوه وضربوا دينا وجيهان وقبضوا على الشاعر".. إلى هنا انتهى كلام "وائل"!
خطف وسحل وانتهاك عرض
ولمعرفة تفاصيل ما حدث اتصلنا بالمحامي "جمال عيد" مسئول الدفاع عن الشرقاوي والشاعر والذي حضر التحقيقات مع الناشطين بعد استمرار تعذيبهم لأكثر من أربع ساعات كاملة حيث بدأ التحقيق في فجر الجمعة... وسأترككم مع كلامه :"تم اختطاف الشرقاوي من أمام النقابة وهو في طريقه إلى العودة لمنزله وسحبوه إلى شارع جانبي وبدأوا ضربه ثم ساقوه إلى قسم قصر النيل ليستكملوا ضربه ولكن هذه المرة بطريقة بشعة فلا يوجد مكان في جسمه يخلو من أثار التعذيب.

لدرجة إني تعرفت عليه بصعوبة بعد الضرب الذي تعرض له والذي نتج عنه تورم في وجهه بالكامل ليس هذا فقط بل ظهرت أثار الركلات والضرب على صدره ورقبته والتي تركت عليه علامات من أحذية الذين تولوا ضربه وتعذيبه وبعد ذلك تم انتهاك عرضه بورق مقوى لمدة ربع ساعة كاملة..!"وأضاف:" ولم يفلت الشاعر من الضرب ولكن بنسبة أقل بكثير من شرقاوي، وفي نهاية التحقيقات رفضت النيابة عرضهم على الطبيب يوم الخميس حتى تخفي جريمتها ولا تنفضح من أثار التعذيب، ورفضت طلب طبيبة متطوعة توقيع الكشف عليهما وكتبوا في نهاية المحضر سوف يتم العرض يوم السبت إذا تيسر وحتى كتابة هذه السطور لم يعرض على النيابة.
وعن حالة الشرقاوي الصحية يقول عيد:"وفقا لما رأيناه وحكينا للأطباء عن الآلام التي يحكي عنها شرقاوي فإنه يعاني وبشكل مبدئي من اشتباه في كسور في صدره واشتباه في التهاب في المثانة فبوله مليء بالدم.وقد قامت إدارة السجن بتسجيل بعض الإصابات التي يعاني منها خوفا من الاتهام بالتعذيب ولكنها اكتفت بتسميتها رضوض وكدمات دون الإشارة إلى كل ما سبق" وبعد كل ما سبق انتهى كلام وائل عباس وتصريح المحامي، وانتهت معه آخر لحظة في صبري ونفذ وخرجت دموعي رغم محاولاتي منذ الصباح لمنعها لأنه يستحق أن نبكي من أجله فهو شاب مليء بالحماس والقوة والشجاعة جعلوه مليء بالحسرة والألم والمهانة فلا استطيع استيعاب أن هناك من يمتلك هذا القدر من القسوة.ولا أجد إلا كلمات شرقاوي التي كتبها بنفسه من سجن طره في المرة الأولى لاعتقاله، وكان يعلن فيها أنه يعرف أن هناك ضريبة للحب والانتماء، ومعها رنت في أذني أغنية تصبحون على وطن لـ"مارسيل خليفة" فاقرؤوا كلام شرقاوي وشوفوا الصور واستمعوا إلى خليفة وتصبحون على وطن.

هناك تعليق واحد:

ياء يقول...

مصر اكيد بتحبك وحتحبك اكتر لما تواصل واياك تستسلم