الواقع وليس التمثيل.. هو ما أشعر به عندما أشاهد "يسرية" و"ضحى" و"سلمى"، يتذكرن حياة قديمة مرت عليها سنوات، ولكنها لازالت عالقة بوجدانهن تزغزغ مشاعر كل واحدة، مؤكدة أن العمر فات بالفعل ولكن الأشياء الجميلة نستطيع فعلها في جميع الأحوال والظروف والسنوات.
شاهدت الفيلم – للمرة الأولى - قبل سنوات فور نزوله لصالات العرض، أذكر هذا اليوم جيداً.. كانت معي صديقتي "هبه"، ذهبنا لمشاهدة الفيلم الذي بدأ متأخراً. واضطررنا لمغادرته قبل النهاية، بالتحديد عندما قررت "سلمى" أن تبحث عن الاستديو الخاص بأبيها.. دخلت هي الأستديو وخرجت أنا و"هبه" من السينما ليتسنى لنا دخول المدينة الجامعية التي تأخرنا عن موعد إغلاق بوابتها ساعة تقريباً.
مرت السنين، والفيلم يعاد عرضه عشرات المرات على قنوات الأفلام. والغريب أني لم أشاهده حتى نهايته أبداً. كل مرة أتركه عند اللحظة التي تركته فيها في المرة الأولى، حتى حدث ما تمنيته أول أمس. وشاهدته كاملاً.
أحبه، بل أحفظ مشاهده وجمل المشخصاتيه بداخله. أرفض أن أسميهم بالأبطال أو الممثلين، هم مجرد أناس عاشوااللحظة معي ومعكم وبالتالي هم بالفعل مشخصاتية، أشعر أن تلك الكلمة أكثر تأثيراً وتعبيراً من كلمة ممثل.
أحلم مع "يسرية" ببوكية ورد يشتريه لها زوجها بعشرين جنيه، في اليوم ذاته الذي أخرجها فيه من السجن معلناً أنه للتو أتى بها من السجن وليس من المجلس القومي للمرأة، متسائلاً عما يفعله الرجال لصديقاتها اللاتي أفسدن حياتها بمجرد ظهورهن.
تعجبني الطريقة التي تخاطر فيها كل منهن لصالح الأخرى، كالذهاب مع صديقة في أول موعد لها مع شاب لا تعرفه من الأساس، السفر للأسكندرية لمشاهدة الغروب مع تلك الصديقة الحالمة دوما وغيرها من ذكريات فترة أسميها دوماً أحلى الأوقات.
لم أشاهد النهاية إلا أول أمس ولكنني تمنيت الأعوام السابقة ألا تعرف "سلمى" من يبعث لها بالخطابات لأظل أعيش معها تلك التفاصيل الكثيرة والحكايات المتعددة التي سرعان ما تبدأ وتنتهي دون ملل.
قبل يومين فقط شاهدت بقية الفيلم، نهاية رومانسية نسائية، غاضبة وحالمة وحقيقية للغاية، يزينها صوت منير في الخلفية الذي يشعرني دوما بإحساس رقيق كأن هناك من يهتم لأمري ويضعني على قائمة اهتماماته، تزوجت "سلمى" وحاول "ابراهيم" التقرب من "يسرية" و.. ياخبر نسيت بقية النهاية لكنها في الغالب ستكون سعيدة لأن "هالة خليل" قادرة على خلق السعادة الغامرة دون افتعال للأحداث والأشخاص.
هي فقط تعرف كيف تجعل "حنان ترك" على طبيعتها، وكيف تخرج من "هند صبري" الفتاة الجامحة بنظرتها القوية النافذة إلى القلب كما تعرف جيداً كيف تقنعنا جميعاً بشقاوة منة شلبي.
كل ما قلته عن الفيلم في كفة وما عرفته أول أمس في كفة، مفاجأة لم تخطر لي على بال، شريكي يحب الفيلم ذاته ويحفظ تفاصيله، ولكن الفارق أنه شاهده كاملاً ويعرف النهاية جيداً كما أنه لاحظ شيئاً لم يكن يمر بخيالي وكثيرين غيري لايهتمون بمثل تلك التفاصيل.
أخبرني "براء" أن الفيلم يعد مقارنة واضحة وممتازة لطرفي القاهرة فالحكاية كلها تدور بين نقيضين وهما المعادي أقصى الكورنيش، وشبرا قلب القاهرة، الطرف الآخر من الكورنيش ذاته، وأنها مقارنة مثالية وتم تنفيذها بشكل مثالي فـ"هالة خليل" ذاتها من شبرا تحفظ حواريها وتعرف دروبها ولهذا تشعر بالحياة تدب في البيوت والحواري التي تراها.
ويكمل:" شفتي البلكونة دي اللي طلعت منها يسرية علشان تطلب من ابراهيم ربع ثلاجة بعد ما قرر يسيب البيت، وهي ذاتها البلكونة التي أطلت منها لتشتري خضار وتخبر جارتها بضرورة القدوم لأخذ الجمعية، هي دي شبرا أنا أصلي اتربيت هناك".
أعجبتني الحالة التي شعرنا بها معاً وبصراحة أحببت الفيلم أكثر، فغالباً أختلف معه في الاهتمامات وطبيعة الأعمال السينمائية التي نفضلها. لا أنكر أبداً أنه قادر على التركيز والإستيعاب والتخيل والاندماج مع الأفلام أكثر مني بكثير، فهو يجلس للمتعة والمشاهدة وفقط. أما أنا لامانع لدي من القيام بكل أعمال المنزل أثناء المتابعة، وخلال اخر عام ونصف أصبحت أشاهد وألاعب مليكة وأطبخ وربما أنشر في الوقت ذاته وهو ما أفقدني إحساس المعتة والتركيز معاً..
دودو...هند صبري في الفيلم كان اسمها ايه..؟
هكذا فاجأني براء بالسؤال بعد دقائق من نهاية الفيلم.. خجلت من نفسي كثيراً لأنني لم أتذكره، نعم أحبه وشاهدته بدل المرة عشرة لكن الإسم تاه مني فعلا يا بيرو والله عافاه.
"طيب، منة شلبي كان اسمها ايه..
= لأ ده عافاه ضحى وحنان ترك كان اسمها سلمى...
قولي لي يا فالحة سامي العدل بقى اسمه ايه؟؟
= انت ليه غاوي تحرجني لأ مش هاعرف خالص لو قعدت لبكرة حتى
ممكن أعرف انت بتتفرجي على الأفلام ازاي، مفيش تركيز خالص الدماغ فيها ايه يا حاجة؟..
فكرت قليلاً، ولكني احتفظت بالإجابة لنفسي، فأنا أحب تلك النوعية من الأفلام التي لاترهقني في فهم تفاصيلها أو العبث مع كاتبها في تخيل ما بقي من السيناريو، أحب "أحلى الأوقات" و"قص ولزق" وأعشق تفاصيل حياتي التي أجدها في تفاصيل تلك الأفلام..